منتديات ثري جي شيرنج  
العودة   منتديات ثري جي شيرنج > المنتدي الاسلامي > المنتدي الاسلامي العام
التسجيل التعليمـــات التقويم مشاركات اليوم البحث
المنتدي الاسلامي العام ( )


إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 17 - 1 - 2018
الصورة الرمزية ابو ساره
ابو ساره ابو ساره متواجد حالياً
النائب الاول
 
تاريخ التسجيل: 7 - 12 - 2013
المشاركات: 20,568
3 مجالات العدل وصوره




مجالات العدل وصوره

عباد الله: للعدل صور عديدة ومتنوعة تشمل جميع مجالات حياة الإنسان مع الله ومع النفس ومع الناس؛ وهاك البيان والله المستعان:

العدل مع الله: وذلك بأن تفرده وحده بالعبودية والرجاء والخوف والاستعانة؛ فإذا سألت فاسأل الله ؛ وإذا استعنت فاستعن بالله؛ هذا هو العدل مع الله؛ وقد ندد القرآن وشنع بهؤلاء الذين يشركون مع الله غيره ويساوونه بآلهتهم ومعبوداتهم. قال تعالى: { الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ}. (الأنعام: 1). وقال: { وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ}. (الأنعام: 150)؛ وقال: { أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ }. (النمل:60).

وعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ – رضي الله عنه – قَالَ: كُنْتُ رِدْفَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و سلم عَلَى حِمَارٍ يُقَالُ لَهُ عُفَيْرٌ. قَالَ: فَقَالَ: يَا مُعَاذُ! أَتَدْرِي مَا حَقُّ اللّهِ عَلَى الْعِبَادِ وما حقُّ العبادِ عَلَى الله؟ قَالَ قُلْتُ: الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: «فَإِنَّ حَقَّ اللّهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوا اللّهِ وَلاَ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً. وَحَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ لاَ يُعَذِّبَ مَنْ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً» قَالَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ! أَفَلاَ أُبَشِّرُ النَّاسَ؟ قَالَ: «لاَ تُبَشِّرْهُمْ. فَيَتَّكِلُوا».(متفق عليه). فعلى العبد أن يقوم بالعدل في حق الله تعالى .

العدل مع النفس: وذلك بالموازنة بين حقِّ نفسه وحقِّ ربِّه وحقوق غيره، بحيث لا يجور حق على آخر؛ ويظهر ذلك حين صدَّق رسول الله سلمان الفارسي لمَّا قال لأخيه أبي الدرداء الذي جار على حقِّ زوجته بِتَرْكِها، ومداومة صيام النهار، وقيام الليل: “إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا؛ فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ” (البخاري).

العدل مع الناس: وهذا هو المراد هنا وله صور كثيرة منها :

العدل في القول: فلا يقول إلا حقًّا، ولا يشهد بالباطل، قال تعالى: { وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [الأنعام:152].

العدل في الحكم: قال تعالى: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} [النساء: 58]. وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ” إِذَا حَكَمْتُمْ فَاعْدِلُوا، وَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا؛ فَإِنَّ اللَّهَ مُحْسِنٌ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ ” . ( الطبراني بسند حسن ). فمن حكم بالعدل نجا في الدنيا والاخرة ؛ فعَنِ ابْنِ عُمَرَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :” ثَلاثٌ مُهْلِكَاتٌ ، وَثَلاثٌ مُنَجِّيَاتٍ. فَأَمَّا الْمُهْلِكَاتُ : فَشُحٌّ مُطَاعٌ ، وَهَوًى مُتَّبَعٌ ، وَإِعْجَابُ الْمَرْءِ بنفْسِهِ . وَأَمَّا الْمُنَجِّيَاتُ : فَالْعَدْلُ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَى ، وَالْقَصْدُ فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَى ، وَخَشْيَةُ اللَّهِ فِي السِّرِّ وَالْعَلانِيَةِ “. ( الطبراني والبيهقي بسند حسن ). أما إذا لم يحكم بالعدل كب على وجهه في النار ؛ فعَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:” لَيْسَ مِنْ وَالِي أُمَّةٍ قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ لَا يَعْدِلُ فِيهَا إِلَّا كَبَّهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى وَجْهِهِ فِي النَّارِ “. ( أحمد في مسنده ).

العدل في القضاء: بحيث يقضي القاضي بالحق دون مجاملة أو محاباة؛ فإذا اتقى الله وقضى بالحق فله الجنة وإلا فهو في النار ؛ فَعَن بُرَيْدَةَ ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ ، قَالَ :” الْقُضَاةُ ثَلاَثَةٌ ، اثْنَانِ فِي النَّارِ ، وَوَاحِدٌ فِي الْجَنَّةِ ، رَجُلٌ عَلِمَ الْحَقَّ فَقَضَى بِهِ فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ ، وَرَجُلٌ قَضَى لِلنَّاسِ عَلَى جَهْلٍ فَهُوَ فِي النَّارِ ، وَرَجُلٌ جَارَ فِي الْحُكْمِ فَهُوَ فِي النَّارِ”. ( أبو داود والترمذي وابن ماجة بسند صحيح).

العدل في إقامة الحدود: بحيث تنفذ الحدود على الغني والفقير ؛ والشريف والوضيع ؛ والرئيس والمرؤوس ؛ دون مفاضلة بين أحد ؛ وهذا ما كان عليه الرسول – صلى الله عليه وسلم – وصحابته الكرام؛ فعن عائشةَ رضي اللّه عنها أنّ قُرَيْشاً أَهَمِّهم شأنُ المرأةِ المَخْزُوميّةِ التي سَرَقَتْ، فقالوا: “مَن يُكَلِّم فيها رسولَ اللّه صلى الله عليه وسلم ؟”. فقالوا: “مَن يَجْتَرِئُ عليه إلا أُسامةُ ابْنُ زَيْدٍ حِبُّ رسولِ اللّه صلى الله عليه وسلم ؟. فَكلَّمَه أسامةُ، فقال رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم : “أتَشْفَعُ في حَدٍّ من حُدُود اللّه تعالى؟ “. ثم قام، فاخْتَطَبَ، ثم قال : “إِنَّما أَهْلَكَ الذين مِنْ قَبْلِكم أَنَّهم كانوا إِذا سَرَقَ فيهم الشَّرِيفُ تَرَكُوه، وإِذا سَرَقَ فيهم الضَّعِيفُ أقاموا عليه الحَدَّ، وايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فاطمةَ بِنْتَ محمدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَها”. (متفق عليه).

العدل في الصلح: قال تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْـمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْـمُقْسِطِينَ} [الحجرات: 9].

فينبغي لمن يصلح بين الناس أن يقول الحق والعدل ولا يميل إلى فريق أو طائفة؛ ولا سيما في الجلسات العرفية في الإصلاح بين الناس !!

العدل في توزيع الثروات والدخول: مع مراعاة المواهب والقدرات والكفاءات وتقديرهم؛ ؛ وهذا ما كان عليه الرسول – صلى الله عليه وسلم – وصحابته الكرام؛ ” فقد روي أن عمر –رضي الله عنه- كان يقسم المال ويفضل بين الناس على السابقة والنسب، ففرض لأسامة بن زيد ـ رضي الله عنه ـ أربعة آلاف، وفرض لابنه: عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنه ـ ثلاثة آلاف، فقال: يا أبت فرضت لأسامة أربعة آلاف وفرضت لي ثلاثة آلاف ؟ فقال عمر: إن أباه كان أحب إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من أبيك، وهو كان أحب إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ منك.” ( تاريخ دمشق لابن عساكر ).

وهذا أيضاً عمر – رضي الله عنه – وقف ذات يوم يخطب في الناس فما كاد يقول: أيها الناس اسمعوا وأطيعوا. حتى قاطعه أحدهم قائلاً: لا سمع ولا طاعة يا عمر، فقال عمر بهدوء: لم يا عبد الله؟ قال: لأن كلاً منا أصابه قميص واحد من القماش لستر عورته وعليك حلة. فقال له عمر: مكانك، ثم نادى ولده عبد الله بن عمر، فشرح عبد الله أنه قد أعطى أباه نصيبه من القماش ليكمل به ثوبه، لأن عمر طويل ولم يكفه نصيبه، فاقتنع الصحابة وقال الرجل في احترام وخشوع: الآن السمع والطاعة يا أمير المؤمنين!!( مناقب عمر لابن الجوزي؛ وعيون الأخبار لابن قتيبة). فأين نحن من ذلك ؟!!

كذلك من العدل مراعاة حقوق الأطفال وسرعة صرف حصتهم التموينية؛ فهناك سواد عظيم من الأطفال بلغوا مرحلة الإعدادية ولم تدرج أسماؤهم في الحصص التموينية حتى الآن؛ مع عدم قدرة أسرهم على شراء متطلباتهم ؛ وأطفالهم يتضورون جوعاً ؛ وهذا ما سارع إليه الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ فعن ابن عمر قال: قدمت رفقة من التجار فنزلوا المصلى فقال عمر لعبد الرحمن بن عوف: هل لك أن نحرسهم الليلة من السرق؟ فباتا يحرسانهم ويصليان ما كتب الله لهما، فسمع عمر بكاء صبي فتوجه نحوه فقال لأمه: اتقي الله واحسني إلى صبيك، ثم عاد إلى مكانه، فسمع بكاءه فعاد إلى أمه فقال لها مثل ذلك ثم عاد إلى مكانه، فلما كان في آخر الليل سمع بكاءه فأتى أمه فقال: ويحك، إني لأراك أم سوء، ما لي أرى ابنك لا يقر منذ الليلة؟ قالت: يا عبد الله قد أبرمتني منذ الليلة، إني أريغه عن الفطام فيأبى، قال: ولم؟ قالت: لأن عمر لا يفرض إلا للفطم، قال: وكم له؟ قالت: كذا وكذا شهرا، قال: ويحك لا تعجليه، فصلى الفجر وما يستبين الناس قراءته من غلبة البكاء، فلما سلم قال: يا بؤسا لعمر كم قتل من أولاد المسلمين! ثم أمر مناديا فنادى: ألا لا تعجلوا صبيانكم عن الفطام فإنا نفرض لكل مولود في الإسلام. وكتب بذلك إلى الآفاق: إنا نفرض لكل مولود في الإسلام. (طبقات ابن سعد ؛ والرياض النضرة في مناقب العشرة للمحب الطبري).

العدل بين الزوجات: فقد حثنا الشارع الحكيم على العدل بين الزوجات؛ وإلا اكتفى بزوجة واحدة حتى لا يأتي يوم القيامة وشقه مائل؛ قال تعالى:{ وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا }.[النساء:3]. وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:” مَنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ فَمَالَ إِلَى إِحْدَاهُمَا؛ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ مَائِلٌ “. وفي رواية: ” وَشِقُّهُ سَاقِطٌ “. ( أبو داود والترمذي والحاكم وصححه ).

ولقد ضرب لنا الرسول صلى الله عليه وسلّم أروع الأمثلة في العدل بين زوجاته؛ ” إذْ أنّه كان إذا أراد أن يخرج إلى الغزو أقرع بين نسائه فأيتهن يخرج سهمها خرج بها ” . ( البخاري )0

وهذا في العدل المادي والمبيت ؛ أما إذا كان له ميل قلبيٌّ فقط إلى إحداهن، فهذا لا يدخل في عدم العدل، قال تعالى: { وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا}. [النساء:129]. قال ابن بطال: ” قوله: وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ. أي: لن تطيقوا أيها الرجال أن تسووا بين نسائكم في حبهنَّ بقلوبكم حتى تعدلوا بينهنَّ في ذلك؛ لأنَّ ذلك مما لا تملكونه وَلَوْ حَرَصْتُمْ يعنى ولو حرصتم في تسويتكم بينهن في ذلك. قال ابن عباس: لا تستطيع أن تعدل بالشهوة فيما بينهنَّ ولو حرصت. قال ابن المنذر: ودلت هذه الآية أن التسوية بينهنَّ في المحبة غير واجبة “. أ.ه وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: ” كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْسِمُ فَيَعْدِلُ وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ هَذَا قَسْمِي فِيمَا أَمْلِكُ، فلا تَلُمْنِي فِيمَا تَمْلِكُ وَلا أَمْلِكُ، قَالَ أَبو دَاود يَعْنِي الْقَلْبَ ” ( أبوداود والبيهقي والحاكم وصححه).

العدل مع الأولاد: فلا يفضل أحداً على أحد، ولا يميز الذكور على الإناث، والعدل بين الأولاد مطلوب في جميع الحالات سواء كان في العطاء أو في المحبة والقبلة ، أو في تقديم الهدايا والهبات والوصية أو في المعاملة، فإنه يلزم الوالدين معاملة أولادهم بالعدل والمساواة؛ وبهذا العدل يستقيم أمر الأسرة وتنشأ المحبة بين الجميع وتغرس الثقة بين أفراد الأسرة، فلا مكان للأحقاد والبغضاء عندئذٍ، ، فعن إبراهيم النخعي قال: ” كانوا يستحبون أن يعدل الرجل بين ولده حتى في القُبَل”.( المصنف لابن أبي شيبة ). وعن النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ:” أَعْطَانِي أَبِي عَطِيَّةً فَقَالَتْ عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ: لَا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّي أَعْطَيْتُ ابْنِي مِنْ عَمْرَةَ بِنْتِ رَوَاحَةَ عَطِيَّةً؛ فَأَمَرَتْنِي أَنْ أُشْهِدَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: أَعْطَيْتَ سَائِرَ وَلَدِكَ مِثْلَ هَذَا؟! قَالَ: لَا. قَالَ: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ. قَالَ: فَرَجَعَ فَرَدَّ عَطِيَّتَهُ”(متفق عليه)؛ قال ابن حجر:” في الحديث الندب إلى التآلف بين الإخوة وترك ما يوقع بينهم الشحناء أو يورث العقوق للآباء” . ( فتح الباري).

العدل مع غير المسلمين: ولم يقف الإسلام بالعدل عند المسلمين ؛ بل سماحة الإسلام وعدله أن الله أمر به حتى مع غير المسلمين؛ ولو كُنَّا مبغضين لمن نَحْكُم فيهم، يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المائدة: 8]، يقول ابن كثير في تفسيره: ” أي لا يحملنَّكم بُغْض قوم على ترك العدل فيهم، بل استعملوا العدل في كُلِّ أَحَدٍ؛ صديقًا كان أو عدوًّا “.

فالعدل في الإسلام لا يتأثَّر بحُبٍّ أو بُغْضٍ، فلا يُفَرِّقُ بين حَسَب ونَسَب، ولا بين جاهٍ ومالٍ، كما لا يُفَرِّقُ بين مسلم وغير مسلم، بل يتمتَّعُ به جميعُ المقيمين على أرضه من المسلمين وغير المسلمين، مهما كان بين هؤلاء وأولئك من مودَّة أو شنآنٍ.

وهناك شواهد كثيرة للعدل مع غير المسلمين حفلت بها سنة وسيرة النبي – صلى الله عليه وسلم – فعَنِ ابْنِ شِهَابٍ فِي فَتْحِ خَيْبَرَ، قَالَ: وَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ اللَّهِ بن رَوَاحَةَ لِيُقَاسِمَ الْيَهُودَ ثَمَرَهَا، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِمْ جَعَلُوا يُهْدُونَ لَهُ مِنَ الطَّعَامِ وَيُكَلِّمُونَهُ، وَجَمَعُوا لَهُ حُلِيًّا مِنْ حُلِيِّ نِسَائِهِمْ، فَقَالُوا: هَذَا لَكَ وَتُخَفِّفُ عَنَّا وَتَجَاوَزُ، فَقَالَ ابْنُ رَوَاحَةَ: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ، إِنَّكُمْ وَاللَّهِ لأَبْغَضُ النَّاسِ إِلَيَّ، وَإِنَّمَا بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَدْلا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ، فَلا أَرِبَ لِي فِي دُنْيَاكُمْ، وَلَنْ أَحِيفَ عَلَيْكَمْ، وَإِنَّمَا عَرَضْتُمْ عَلَيَّ السُّحْتَ، وَإِنَّا لا نَأْكُلُهُ، فَخَرَصَ النَّخْلَ، فَلَمَّا أَقَامَ الْخَرَصَ خَيَّرَهُمْ، فَقَالَ: إِنْ شِئْتُمْ ضَمِنْتُ لَكُمْ نَصِيبَكُمْ، وَإِنْ شِئْتُمْ ضَمِنْتُمْ لَنَا نَصَيبَنَا وَقُمْتُمْ عَلَيْهِ، فَاخْتَارُوا أَنْ يَضْمَنُوا وَيَقُومُوا عَلَيْهِ، وَقَالُوا: يَا ابْنَ رَوَاحَةَ، هَذَا الَّذِي تَعْمَلُونَ بِهِ، بِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ، وَإِنَّمَا يَقُومَانِ بِالْحَقِّ”. ( أحمد والطبراني والبيهقي بسند صحيح ). فرغم بُغض عبد الله بن رواحة – رضي الله عنه – لليهود إلاَّ أنه لم يظلمهم، بل أعلنها لهم صريحة أنه لا يحيف عليهم، وما شاءوا أَخْذَهُ من أي القسمين من التمر فليأخذوه .

وروى عن سعيد بن المسيب – رحمه الله – «أن مُسْلِماً ويَهُودِياً اختصما إلى عمر، فرأى الحقَّ لليهودي، فقضى له عمرُ به، فقال له اليهوديُّ: والله لقد قَضَيتَ بالحقِّ، فضربه عمر بالدِّرَّة، وقال: وما يُدريك؟ فقال اليهوديُّ: والله إنَّا نجد في التوراة أنهُ ليس من قاضٍ يقضي بالحق إلا كان عن يمينه مَلَك وعن شماله مَلَك يُسَدِّدانه، ويُوفِّقَانِه للحق ما دام مع الحق، فإذا ترك الحقَّ عَرَجا وتركاه» ( الموطأ ).

ولقد شكا يهودي عليًّا – رضي الله عنه – إلى عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – في خلافة عمر، فلما مثَلَا بين يديه، خاطب عمرُ اليهوديَّ باسمه، ولكنه خاطب عليًّا بكُنْيَته، فقال له: “يا أبا الحسن” – حسب عادته في خطابه معه – فظهرتْ آثار الغضب على وجه عليٍّ، فقال له عمر: “أكرهت أن يكون خصمك يهوديًّا، وتمثل معه أمام القضاء على قدم المساواة؟”، فقال علي: “لا، ولكنني غضبت؛ لأنك لم تسوِّ بيني وبينه، بل فضَّلتني عليه؛ إذ خاطبتُه باسمه، بينما خاطبتني بكنيتي”!

وهكذا- أيها المسلمون – يشمل العدل جيع مجالات الحياة مع الله ومع نفسك ومع غيرك مسلمين وغير مسلمين؛ فحريٌّ بك أيها المسلم أن تقوم بالعدل في جميع شؤون حياتك . في بيتك , وفي عملك , وبين أهلك وجيرانك وأصدقائك ومرؤوسيك ؛ ومع غير المسلمين .

التوقيع

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 23 - 4 - 2023
الصورة الرمزية ۩◄عبد العزيز شلبى►۩
۩◄عبد العزيز شلبى►۩ ۩◄عبد العزيز شلبى►۩ متواجد حالياً
مراقب أقسام الفلاشات
 
تاريخ التسجيل: 25 - 7 - 2015
المشاركات: 9,576
افتراضي رد: مجالات العدل وصوره

تســـــــــــــ إيدك يا غالى ــــــــــــــــلم


التوقيع




رد مع اقتباس
  #3  
قديم 30 - 4 - 2023
nadjm nadjm متواجد حالياً
الادارة العـــــــــامة
 
تاريخ التسجيل: 2 - 2 - 2016
المشاركات: 10,244
افتراضي رد: مجالات العدل وصوره

بارك الله فيك علي الموضوع اخي
----------------------------
 مشاهدة جميع مواضيع nadjm
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
مجالات, وصوره, العدل


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
أثر العدل في صلاح الفرد والمجتمع ابو ساره المنتدي الاسلامي العام 2 30 - 4 - 2023 3:37 AM
قال الحكيم في العدل السلطان العدل في ظاهر اكمل 3g-shairng قسم الحكمة واقوال الحكماء 3 24 - 2 - 2023 12:12 AM
خطبة الجمعة القادمة “وجوب تقديم الكفاءات الوطنية في كل مجالات الحياة” بتاريخ 5 من رجـــــــب 1436هـ ابو ساره المنتدي الاسلامي العام 0 23 - 4 - 2015 7:04 AM
حصريا شرح عمل خلفيه كيومكس صوت وصوره جولد والاشباه بوت 121 3g-shairng اهم الموضوعات و الشروحات المصورة بقسم 2 2 - 12 - 2013 1:19 PM


الساعة الآن 6:47 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.
( Developed and programmed by engineer ( Abu Maryam Sat