والعبرة والعظة من شق الصدر؛ هي تطهير قلب النبي – صلى الله عليه وسلم – من حظ الشيطان كما جاء في الحديث؛ وقد ذكرت روايات أخرى أن شق الصدر لم يكن مرة واحدة وإنما كان مرات ثلاثة؛ يقول الإمام بن حجر: ” وثبت شق الصدر أيضا عند البعثة كما أخرجه أبو نعيم في ” الدلائل ” ولكل منها حكمة ، فالأول وقع فيه من الزيادة كما عند مسلم من حديث أنس ” فأخرج علقة فقال : هذا حظ الشيطان منك ” وكان هذا في زمن الطفولة فنشأ على أكمل الأحوال من العصمة من الشيطان ، ثم وقع شق الصدر عند البعث زيادة في إكرامه ليتلقى ما يوحى إليه بقلب قوي في أكمل الأحوال من التطهير، ثم وقع شق الصدر عند إرادة العروج إلى السماء ليتأهب للمناجاة، وجميع ما ورد من شق الصدر واستخراج القلب وغير ذلك من الأمور الخارقة للعادة مما يجب التسليم له دون التعرض لصرفه عن حقيقته لصلاحية القدرة؛ فلا يستحيل شيء من ذلك “.( فتح الباري).
فشق الصدر كان تنقية لقلبه – صلى الله عليه وسلم – وإخراج حظ الشطان منه؛ لذلك كان شيطانه لا يأمره إلا بخير؛ وهذه من خصوصياته عليه السلام؛ فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ؛ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَدْ وُكِّلَ بِهِ قَرِينُهُ مِنْ الْجِنِّ. قَالُوا: وَإِيَّاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟! قَالَ: وَإِيَّايَ إِلَّا أَنَّ اللَّهَ أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ فَلَا يَأْمُرُنِي إِلَّا بِخَيْرٍ.” (مسلم). ” قال القاضي : واعلم أن الأمة مجتمعة على عصمة النبي – صلى الله عليه وسلم- من الشيطان في جسمه وخاطره ولسانه . وفي هذا الحديث : إشارة إلى التحذير من فتنة القرين ووسوسته وإغوائه ، فأعلمنا بأنه معنا لنحترز منه بحسب الإمكان .” ( شرح النووي)
فكان صلى الله عليه وسلم لا يأكل ما ذبح على النصب؛ وحرم شرب الخمر على نفسه مع شيوعه في قومه شيوعاً عظيماً ؛ وذلك كله من الصفات التي يحلى الله بها أنبياءه ليكونوا على تمام الاستعداد لتلقى وحيه؛ فهم معصومون من الأدناس قبل النبوة وبعدها؛ أما قبل النبوة فليتأهلوا للأمر العظيم الذي سيسند إليهم؛ وأما بعدها فليكونوا قدوة لأممهم؛ عليهم من الله أفضل الصلوات وأتم التسليمات .