تضمنت خطبة الوداع جملة من الحقوق الإسلامية والإنسانية؛ والتي بها قوام المجتمع الإسلامي القويم؛ إذا روعيت هذه الحقوق دون تقصير ساد المجتمع السعادة والرخاء والأمن والاستقرار؛ وتتمثل فيما يلي:-
أولا: حق المساواة: فقد قرر النبي صلى الله عليه وسلم مبدأ المساواة الإنسانية؛ حيث المساواة بين الحاكم والمحكوم، وبين الغني والفقير، والقوي والضعيف، والصغير والكبير، والأبيض والأسود والأحمر، والرجل والمرأة، في الحقوق الإنسانية.. ” أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ، إِلَّا بِالتَّقْوَى)( الصحيحة للألباني)، وقال: «من بطأَ به عملهُ، لم يُسرعْ به نسبُه» (مسلم).
ثانيا: حق المرأة: فالنبي صلى الله عليه وسلم أوصى بها في أكبر المحافل: «استوصوا بالنساءِ خيراً» (متفق عليه)؛ وأنهن عوان (أي أسيرات) لا يملكون لأنفسهن شيئا، فإن الإسلام أعطى للمرأة حقوقها ووصى بها.. وجعلها بنتا في بيت أبيها، وزوجة في بيت زوجها وهي سيدة ذلك البيت.. أعطاها حقها في الميراث، وكانت من قبل لا تأخذ شيئا.. جعل لها كرامة وكانت من قبل تباع وتشترى.. وجعل لها رأيا ولم يكن لها من قبل رأي.. فهذا هو الإسلام جعلها مصانة في بيتها معززة في حياتها.
ثالثا: حقوق متبادلة بين الزوجين: فقد اهتمت خطبة الوداع بالحقوق والواجبات المتبادلة بين الزوجين، وجعلت حفظ الحقوق بين الزوجين هو الأساس في صيانة وحماية المجتمع من أي انحراف أو انحلال. وبين رسول الله في خطبة الوداع جانبا من تلك الحقوق فيقول: ” اتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ.”( مسلم)
ومن الحقوق المتبادلة أيضاً بين الزوجين أن يحفظ كل منهما سر الآخر ولا يذيعه، فعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله ” إِنَّ مِنْ أَشَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ الرَّجُلَ يُفْضِي إِلَى امْرَأَتِهِ وَتُفْضِي إِلَيْهِ ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا “( مسلم)
رابعا: حق الاجتماع والأخوة والتعاون وحرية الاختلاف بضمان الوحدة حقوق مقدسة: ” يا أيها الناس إنما المؤمنون إخوة فلا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض”؛ وما أحوج الأمة الإسلامية في هذه الأيام إلى هذا الحق وهذا المبدأ العظيم؛ بدلا من أن يقتل بعضهم بعضا !!!
خامسا: شمولها لأمور الدنيا والآخرة: فخطبة الوداع قد عالجت شئون الحياة الاجتماعية، من علاقة الأخ بأخيه، والأفراد بالمجتمع، والحاكم بالمحكوم، والعبد بربه سبحانه وتعالى، وحذرت من الشيطان، وبينت أسس الدين ومقاصد الشريعة، وأنهم سوف يلقون ربهم فيسألهم عن أعمالهم في الآخرة..
سادسا: حق المعتقد والانتماء وحرية التدين والعبادة وحرية الفكر والإصلاح والتغيير حقوق مقدسة وحريات مصونة: ” يا أيها الناس إني تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا؛ كتاب الله وسنتي ألا هل بلغت اللهم فاشهد “.
سابعا: حق البلاغ: فعلى الداعية البلاغ وليس عليه النتائج؛ وهذا ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن انتهى من وصاياه رفع يديه إلى السماء وقال: ” اللهم إني قد بلغت اللهم فاشهد ..ثلاثا”؛ وهذا أمر محسوم في القرآن { فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ }؛ والنبي (صلى الله عليه وسلم) يقرر ذلك أن الداعية عليه أن يبذل قصارى جهده ومبلغ طاقته، وجل وقته، وأكثر ماله، وكل ما يملك، في سبيل دعوته، ولا ينتظر النتيجة ولا يحاسب عليها هل التزم الناس معه أم لا..
وهكذا كانت هذه الوصايا الجامعة؛ والحقوق المتبادلة؛ والقيم النافعة تمهد السبيل إلى الاستقرار الأسري والتوازن الاقتصادي والتكافل الاجتماعي والتعارف الإنساني، قياما بواجب الدعوة إلى هذا الدين بالتي هي أحسن.
هذا بعض ما جاء به صلى الله عليه وسلم للبشرية، فيه كل ما يتمناه ذو عقل راجح، وفطرة سليمة، فما أحوجنا إلى تعلم ما قرّره النبيُّ من حقوق للآخرين، وتأديته إليهم على أكمل وجه، إننا إذا فعلنا ذلك كنا دعاة للإسلام بحقٍّ ولو لم ننطق بكلمة.
وقد تكلمنا مع حضراتكم في خطبة كاملة عن : رعاية الحقوق والواجبات وأثرها في صلاح الفرد والمجتمع ؛ فليرجع إليها من شاء.