وهو أن تقابل الإساءة بالإحسان:{ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فضلت: 34]، فإذا ظلمك أحد أو شاتمك وأنت تقدر على أن تنتقم منه أو تعاقبه ومع ذلك عفوت عنه فأنت – حينئذٍ – كريم؛ وقد ضرب بالأحنف بن قيس المثل في الحلم والكرم بالعفو عند المقدرة؛ وقيل له: كيف وصلت إلى هذه المنزلة؟ فقال: ما آذاني أحد إلا أخذت في أمره بإحدى ثلاث: إن كان فوقي عرفت له فضله، وإن كان مثلي تفضّلت عليه، وإن كان دوني أكرمت نفسي عنه.
” قال النَّوويُّ: ” في هذا الحديث فوائد، منها: الابتداء في النَّفقة بالمذكور على هذا التَّرتيب. ومنها: أنَّ الحقوق والفضائل إذا تزاحمت، قُدِّم الأوكد فالأوكد. ومنها: أنَّ الأفضل في صدقة التَّطوع أن ينوِّعها في جهات الخير ووجوه البرِّ بحسب المصلحة، ولا ينحصر في جهةٍ بعينها”
ومنها الكرم في باب العلم والمعرفة: وفي هذا المجال مَن يحبُّون العطاء، وفيه بخلاء ممسكون ضنينون، والمعطاء في هذا المجال هو الذي لا يدَّخر عنده علمًا ولا معرفة عمَّن يُحْسِن الانتفاع بذلك، والبخيل هو الذي يحتفظ بمعارفه وعلومه لنفسه، فلا ينفق منها لمستحقِّيها، ضنًّا بها ورغبةً بالاستئثار. ولقد ضرب بابن عباس المثل في العلم والحكمة؛ حتى سمي بحبر الأمة وترجمان القرآن؛ قال عطاء: ” ما رأيت مجلسًا قطُّ أَكْرَم مِن مجلس ابن عبَّاس، أكثر فقهًا، وأعظم جَفْنَةً، إنَّ أصحاب القرآن عنده، وأصحاب النَّحو عنده، وأصحاب الشِّعر، وأصحاب الفقه، يسألونه كلُّهم، يصدرهم في وادٍ واسعٍ”. ( ابن المبارك في الزهد وأبو نعيم في الحلية).
ومنها الكرم بالنَّصيحة: فالإنسان الجَوَاد، كريم النَّفس، لا يبخل على أخيه الإنسان بأيِّ نصيحةٍ تنفعه في دينه أو دنياه، بل يعطيه نُصْحَه الذي ينفعه مبتغيًا به وجه الله تعالى؛ وهذا أصل عظيم من أصول ديننا الحنيف؛ فعَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “الدِّينُ النَّصِيحَةُ”. قُلْنَا لِمَنْ؟ قَالَ: ” لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ”. ( مسلم )