عباد الله: يجب علينا فرادى وجماعات أن نقوم بحقوق اليتامى من الرعاية والحضانة والتربية والتعليم والكفالة؛ لأن كفالة اليتيم تساهم في بناء مجتمع سليم خال من الحقد والكراهيّة، وتسوده روح المحبّة والودّ؛ وإذا أهمل شأن اليتيم، وفقد رعاية المسلمين وحمايتهم وقع فريسة للضالين الفاسدين ولأعداء الإسلام الآثمين، ووجهوه إلى مالا يرضي الله والرسول؛ مستغلين ضعفه وفقره وضياعه ملوحين له بالمغريات الزائفة حتى يصلوا به إلى ضياع أكبر. يقول الإمام الرازي – رحمه الله- : ” اعلم أن اليتيم مخصوص بنوعين من العجز : أحدهما : الصغر ، والثاني : عدم المنفق ، ولا شك أن من هذا حاله كان في غاية العجز واستحقاق الرحمة”.( التفسير الكبير). ويقول أ.د/ محمد سيد طنطاوي – رحمه الله-:” وإنما اعتنى الإِسلام برعاية اليتيم لصغره وعجزه عن القيام بمصالحه ، ولأن عدم رعايته سيؤدى إلى شيوع الفاحشة فى الأمة؛ ذلك لأن اليتيم إنسان فقد العائل والنصير منذ صغره ، فإذا نشأ فى بيئة ترعاه وتكرمه وتعوضه عما فقده من عطف أبيه ، شب محبا لمن حوله وللمجتمع الذى يعيش فيه ؛ وإذا نشأ فى بيئته تقهره وتذله وتظلمه نظر إلى من حوله وإلى المجتمع كله نظرة العدو إلى عدوه ، وصار من الذين يفسدون فى الأرض ولا يصلحون؛ لأنه سيقول لنفسه : إذا كان الناس لم يحسنوا إلى فلماذا أحسن إليهم؟ وإذا كانوا قد حرمونى حقى الذى منحه الله لى ، فلماذا أعطيهم شيئا من خيرى وبرى؟ لهذه الأسباب وغيرها أمر الإِسلام أتباعه برعاية اليتيم وإكرامه وصيانة حقوقه من أى اعتداء أو ظلم “.( التفسير الوسيط).
عباد الله: إن المجتمع يعج بقطاعٍ كبيرٍ من الأرامل واليتامى؛ كلهم يشكوننا جميعاً بلسان حالهم إلى الله؛ كم من أرملة مات زوجها تاركاً لها أولاداً صغاراً لا تملك لهم ولا لنفسها قوتاً ولا غذاءً؟! كم من أرملة تنام وأطفالها لا يجدون من يشبع جوعتهم أو يمسح دمعتهم؟! كم من يتيم ينظر إلى آباء أصحابه وكل أب يضع يده فى يد ولده ليشتري له كسوة أو طعاماً وهو مكسور الجناح لا يجد يداً رحيمة تمسك بيده؟! يا ترى ما ذنب اليتيم؟! لماذا قست القلوب؟! لماذا جفت منابع الرحمة هكذا؟! أهذه أخلاق قوم يؤمنون بالله واليوم الآخر؟!
فعليكم أن تقوموا بكفالة الأيتام ورعايتهم فهم أمانة في أعناقكم؛ واعلموا أن كل ما تنفقونه على اليتيم تجدونه وافراً عظيماً عند الله. { وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا }.(المزمل: 20). ولقد ضرب لنا سلفنا الصالح أروع الأمثلة في ذلك. ” فعن حماد بن أبي حنيفة قال: قالت مولاة لداود الطائي: يا داود لو طبخت لك دسماً. قال: فافعلي. فطبخت له شحماً ثم جاءته به. فقال لها: ما فعل أيتام بني فلان؟! قالت: على حالهم. قال: اذهبي به إليهم فقالت له: فديتك إنما تأكل هذا الخبز بالماء؟! قال: إني إذا أكلته كان في الحش وإذا أكله هؤلاء الأيتام كان عند الله مذخوراً “. ( صفة الصفوة لابن الجوزي).
أيها المسلمون: لقد انتشر في زماننا هذا نوع آخر من اليتم وهو اليتم الحكمي لا الحقيقي؛ حيث إن الأبوين موجودان ولكن وجودهما كعدمه؛ وذلك لإهمال أولادهما من تغذية الجانب الروحي؛ فيخرج جيل خواء فارغ؛ فإذا قصرت الأم في الواجب التربوي نحو أولادها، وإذا أهمل الأب مسؤولية التوجيه والتربية نحو أولاده، فلاشك أن الأبناء سينشأون نشأة اليتامى ويعيشون عيشة المتشردين، وصدق القائل:
ليس اليتيم من انتهى أبواه من …… هـــم الحياة وخلفاه ذليلاً
إن الـيـتيم الـــــــــــذي تـلقــــــى لـــه………أمّاً تخلت أو أباً مشغولاً
فارحموا أولادكم يا أطهر أمة، ويا أكرم رجال، ويا أنقى أمهات، من يُتم الأخلاق، فإنَّ هذه ثلمة تربوية لا يسدها شيء ما تعاقبت الأيام إنْ بدا نقصها في أطوار التربية الأولى!! أولادنا مُحتاجون إلى مَن يُربي عقولهم وأفكارَهم وقلوبَهم وضمائرهم بعيدًا عن التشابه في تربية الدَّواب، أو تربية الأشكال – وإلاَّ فهم أشباه الأيتام – فإنَّ الإنسان يرقى أجواز العُلا بروحه لا بجسمه وصورته.